Welcome to almotanabibookshop

دروب الفقدان

Author عبد الله صخي | Publisher دار المدى

Publish Year 2013

Pages 287

ISBN 978284306167

Book Chapters 1

Print Number 1



"هيمن صمت عميق على الساحة سرعان ما بدده وقع السلاسل في قدمي نايف الساعدي وهو يتقدم نحو منصة الموت بعد أن هبط من سيارة نقل السجناء التي انسحبت على عجل واختفت. تشبث علي سلمان في مكانه يقاوم الزحام والتدافع فرأى نايف الساعدي أطول من حراسه الذين يرافقونه في الدقائق القليلة المتبقية من حياته وهو يخطو مثقلاً بالأصفاد. كان نايف الساعدي منهكاً، وكان شعره مغبّراً وعيناه مفتوحتين مرهقتين، ودشداته الرمادية تتحرك برقة في ذلك الصباح المحتوم، لم يبدُ عليه الشعور بالندم أو الخوف، كان رأسه مرفوعاً وجسده معتدلاً، أمام العيون الشاخصة المحدقة في كل حركة منه رفض نايف الساعدي إعانته على صعود المنصة إذ أن سجانيه تركوه مقيداً حتى اللحظة الأخيرة، أجال نظراته البطيئة الهاربة في الحشد المترقب الصامت فلم ير فيه غير كتلة معتمة من رؤوس متجاورة كأعواد الثقاب، تلا صوت مرتجف الحكم الصادر بحقه، بدا نايف الساعدي كما لو أنه لا يسمع ذلك الصوت المتردد الخامل مع أنه يحمل قراراً بالموت... عاد المتفرجون إلى متابعة تنفيذ إجراءات الإعدام الذي طال ببطء مقصود، انصتوا إلى نايف الساعدي حين سئل عن الطلب الأخير، قال بصوت قوي ليست فيه أي رعشة إنه يريد سيجارة، تقدم أحد الحراس بسيجارة فرفضها نايف الساعدي وهو يصوب إليه نظرات إزدراء من عينين جاحظتين. وقال إنه يريد سيجارة من أمه، سيجارة لف من يدها... نماذج الحشد المتوتر عند ما سحب الرجال المدنيون الستار البلاستيكي وسمروه على المساند الخشبية فاختفى نايف الساعدي خلفه، وفي الساعة السابعة وخمس وعشرين دقيقة من ذلك الصباح أزيح الستار ليطل جسد يتدلى من حبل المشنقة، وقد حُجب الرأس بكيس قماش أسود انعقد كجرة أثرية مقلوبة متفحمة تنتمي إلى عصر سحيق، تطلع فيها محبو نايف الساعدي مسلوبي الإرادة، عاجزين عن الدفاع عنه أو الهتاف له، وتراجعوا منكسرين مهزومين، غير أن واحداً منهم انسحب من بين الحشد وعيناه تنزفان غضباً، وهتف بصوت عالٍ: "أنا أخو نايف"، ثم أقسم متعهداً بالإنتقام كان اسمه سعد كابور". بين السياسة والحياة دروب يسلكها المواطن تودي به تارة لفقدان حياته، وأخرى لفقدان أحبته، رجال ونساء وأسماء وشخصيات يدفع بها الكاتب مصدراً العراق والجهاز المخابراتي لحزب البعث الحاكم الذي كان يعمي العيون ويكمّ الأفواه من خلال خفارات ليلية مهمتها الأولى مراقبة المعارضين، وكما قضى نايف الساعدي نحبه هناك آخرون وآخريات... يمضي الكاتب في سردياته ليختم روايته في مشهدها الأخير مع عزيز علوان الذي كان يتقدم ببطء بعد أن خرج من المعتقل، ناقلاً عكازه برتابة فوق اسفلت الشارع كان وجهه ذابلاً في تأمل المدينة التي رآها صامته مقفرة كأنها قريبة من حتفها، ومر أمامه طيف علي سلمان متسائلاً في أي معتقل هو الآن ليخاطب مكية حسن، أمه التي انتظرته طويلاً خارجاً من معتقله، مكية حسن التي كانت جنازتها تبتعد شيئاً فشيئاً: أما كان ممكناً أن تنتظريه أسبوعاً آخر، شهراً آخر، سنة أخرى، علّه يأتي، علّه يراك؟ كتم رغبة بالبكاء وهو يسحب خطاه الباردتين بصعوبة، مصغياً لوقع عكازه في سكون الطريق [...].

Price

44.85 RS


Qty
1